يتميز التفكير الاستراتيجي بأنه يمارس في محيط بيئي معين – يتكون من عوامل متعددة: اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية … الخ – بهدف تعايش أفضل مع هذه البيئة. لذلك فإن نقطة البداية في الفكر الاستراتيجي هي التحليل، ويعني النظر إلى الظاهرة أو المشكلة في مجموعها، وفحص الأجزاء المكونة لها وتجميع هذه الأجزاء لتكوين منطق أو نسق إيجابي مفيد عملياً. هذا بالإضافة إلي استخدام الخيال والتفكير غير النمطي الذي يعتمد علي الحدس والبداهة .
فالعقل الاستراتيجي إذن يجمع بين :
أ – التحليل المنطقي .
ب – المرونة الفكرية .
والفكر الاستراتيجي فلسفة طويلة الأجل ، وعلي المديرين اكتساب عادة التفكير الاستراتيجي لتصبح ممارسة يومية عادية ، وجزاً من اتجاهاتهم .
إن مفتاح النجاح هو التفكير في الاستراتيجية التي تمد المنظمة بميزة تنافسية وتطبيقها في الوقت المناسب ، وليس محاولة الوصول إلي الكمال . وهذا يستلزم التنبه لشيئين :
أ – عناصر النجاح الرئيسية .
ب – المعوقات التي تعترض الأعمال .
وحيث أنه لا توجد في الحياة العملية إجابات جاهزة للمشكلات الاستراتيجية فإن القائد الإداري يجب أن يجعل فريق العمل يفكر معه في : ماذا يمكن عمله ؟ بدلا
من : ما الذي لا يمكن عمله .. فيجاهد المعوقات ويستفيد من فرص النجاح.
· الإدارة هي تلك العملية التي تنجز أهداف المنظمة من خلال التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة لاستغلال الموارد المتاحة بكفاءة وفاعلية .
· فهي عملية اجتماعية مستمرة تتكون من وظائف أربع أساسية هي التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة لاستغلال الموارد البشرية والمادية والمعنوية المتاحة لتحقيق أهداف محددة .
· وهي عملية لأنها نشاط حركي مركب ، يتكون من ممارسات متداخلة متفاعلة .
وهي اجتماعية لأنها جزء من المجتمع ونظام فرعي من النظام الاجتماعي الأشمل
وهي مستمرة لا تنقطع إلا بانقطاع الحاجة إليها ، فهي تدوم بدوام الأجهزة والمؤسسات وحاجات الناس للسلع والخدمات ، فهي مستمرة باستمرار المجتمع .
· وتعمل الإدارة علي تحقيق أهداف معينة ( إنتاج السلع والخدمات التي يحتاج إليها المجتمع ) وتوظف في ذلك مجموعة من الموارد والإمكانات ، علي رأسها العنصر البشري – وهو أهم الموارد جميعا ، فهو الغاية والوسيلة … ثم الموارد المادية
( الأموال والمعدات والخامات .. ) والموارد المعنوية ( المعلومات والأفكار والطرق والأساليب .. )
· ويقاس نجاح الإدارة في مهمتها بمعيارين هامين هما الكفاءة والفاعلية . فأما الكفاءة فتعبر عن درجة استغلال الإمكانات والموارد المتاحة – علي قلتها أو كثرتها ، ندرتها أو وفرتها .
وأما الفاعلية فهي درجة تحقيق الأهداف المحددة وإنجاز النتائج المطلوبة .
· تمارس الإدارة أنشطتها في منظمة ما ( جهاز حكومي ، شركة ، مستشفي ، مدرسة ، متجر ، مصرف … ) والمنظمة في ابسط صورها عبارة عن أثنين أو أكثر من الناس يعملون في إطار هيكلي منظم لتحقيق أهداف معينة .
· فالمنظمة إذاً وحدة اجتماعية فنية تتكون من مجموعة من الأدوار المتفاعلة لتحقيق أهداف محددة .
· وننظر إلي المنظمة علي أنها نسق أو نظام System . والنظام هو كيان
· والنظام :
أ- يتكون من عناصر رئيسية هي المدخلات والعمليات والمخرجات …
ب- يتحرك نحو هدف معين …
جـ – يعمل في محيط بيئي يتكون من عدة عوامل – بعضها إيجابي والآخر سلبي …
د – يستلم معلومات ( تغذية عكسية ) عن النتائج التي يحققها . كلي يتكون من أجزاء متداخلة متفاعلة يكمل بعضها بعضاً … فالعلاقة بين أجزاء النظام هي علاقة تأثر وتأثير .
· والمنظمات أنظمة مفتوحة ، بمعني أنها تتأثر بالمحيط البيئي وتؤثر فيه . فهي تأخذ مدخلاتها من البيئة ، وتمارس عملياتها فيها ، وتعطيها مخرجاتها ، وتستمر في أنشطتها طالما تتعايش مع البيئة ، وتستجيب لتغيراتها ، وقد تتولى هي تغيير البيئة من حولها .
· ومن هنا ينبع الفكر الاستراتيجي ، فهو لا يجري في فراغ ، وإنما يتم في محيط بيئي معين يحتم علي الإداري أن يفهمه ، ويحلل عناصره ، ويتعرف علي تأثيراته الإيجابية والسلبية ، حتى يصل إلي أفضل الطرق للتعايش مع البيئة ، يفيد منها ويفيدها ، يأخذ منها ويعطيها ، يوظف مواردها ويثريها ، يحقق أهداف منظمته وأهداف مجتمعه – المحلي والعالمي.
· إن المجتمعات الحديثة تثري عن طريق المنظمات التي تضيف ” قيمة ” للمجتمع وتحقق تقدمه الاقتصادي.
· إن تقدم المنظمات، ومن ثم الاقتصاد في مجموعه، يعتمد علي جودة الإدارة بهذه المنظمات.
· إن أساس أنشطة المنظمة هو ” العقد الأخلاقي ” بين العاملين والمجتمع، والذي يتضمن المسئولية المشتركة بين العاملين والإدارة والمجتمع.
وقد جربت منظمات كثيرة نظريات وممارسات أنتجها الفكر الإداري والتجارب المختلفة في السنوات الماضية، مثل الجودة الشاملة وإعادة هندسة الإدارة وتخفيض التكاليف وتقليل العادم والضياع، وتخفيض أحجام المؤسسات وإعادة الهيكلة …
ولاشك أن نتائج باهرة قد تحققت من هذه الممارسات … ولكن يمكن زيادة الفعالية بممارسات أخري ذكيه ، كالابتكار ، والتنويع ، والتوسع العضوي ، وخلق فرص عمل جديدة ، وزيادة حصة السوق ، وتوفير بيئة عمل صحية ، وإنشاء سمعه خارجية يترتب عليها اجتذاب العاملين ذوي المواهب الملائمة .
ومن هنا يجب أن نفرق بين الكفاءة الساكنة ، والكفاءة الدينامية ، واختلاف الفكر الاستراتيجي في كل منهما.
الكفاءة الساكنة:
وهي استغلال الخيارات الاقتصادية المتاحة بأقصى درجة … ويمكن للاقتصاد الوطني أن يثري نتيجة للاستغلال الأمثل للثروات المتاحة – أي لأقصي قيمتها ، فيصبح التفكير الإستراتيجي هنا هو الحصول علي أكبر نصيب من ” الكعكة ” الاقتصادية الثابتة . وتركز الاستراتيجية بذلك علي تحسين الإنتاجية ، وخفض التكاليف ومحو الضياع ، وزيادة كفاءة الأنشطة الموجودة فعلا . وتعمل الإدارة لذلك علي الاستحواذ علي الموارد المناسبة ، وتخصيصها للأنشطة المختلفة والرقابة علي استخدامها وضبط العاملين ، كما يعمل هؤلاء من جهة أخري لمنفعتهم الشخصية – العوائد التي يحصلون عليها نتيجة التزامهم بما تقرره الإدارة.
الكفاءة الدينامية :
أما الكفاءة المتحركة الديناميكية ، فتولد الابتكار الذي ينتج بدائل جديدة وموارد جديدة تدفع الاقتصاد إلي مستويات أعلي . وفي ظل ” اقتصاديات المنظمة ” توجد
” القيمة ” وتتضاعف بالعمل الجماعي ، وتمكين العاملين ، وحفزهم ، وتنسيق جهودهم ، وتشجيع التصرف الذاتي لبلوغ الهدف الكلي .
فالمنظمات هنا تخلق “قيما” جديدة للمجتمع بطرح منتجات جديدة ، وخدمات جديدة ، وطرق مستحدثة لتقديم هذه الخدمات وزيادة فاعليتها . وتصبح العلاقة بين منظمة ما وبين المجتمع – ليست علاقة نزاع – ولكن تبادل المنافع … وعلاقة
إعتماديه تبادلية ، تكمل الواحدة منها الأخرى , ويعتمد نجاح المنظمة – ومن ثم الاقتصاد في مجموعه – علي فاعلية الإدارة .
والإدارة مهنة تعمل بمثابة المحرك – الدينمو – للتقدم الاقتصادي والاجتماعي وتنظر الإدارة إلي المنظمة علي انها نظام تعليمي مستمر تشجع العاملين للعمل الجماعي نحو هدف المنظمة وزيادة القيمة المضافة من منتجاتها وخدماتها .
ويعمل العاملون من خلال منطلق المصلحة الكلية – وليس المنفعة الذاتية لهم فقط – ويتقاسمون الموارد المتاحة – بما فيها المعرفة – دون التركيز علي كيف وماذا سيربح كل واحد منهم ولكن كيف وماذا تربح المنظمة . لذلك يزيد الإبتكار من خلال روح التعاون الوثيق بين العاملين .
ويتم التحول من :
أ – الاستحواذ علي القيمة إلي خلق القيمة وزيادتها .
ب – تشجيع الطاعة إلي تشجيع المبادأة .
جـ – الرقابة والضبط إلي الثقة المتبادلة والرقابة الذاتية .
د – الحفاظ علي الوضع القائم إلي قيادة التغيير .
لذلك فإن القادة الإداريين ليسوا فقط واضعي إستراتيجيات، ولكنهم إلى جانب ذلك مؤسسون الحس والوعي وإدراك الهدف. والهدف يهيئ الفرصة لأن تنبع الاستراتيجية من داخل المنظمة ، من الطاقة التي تتولد عن فهم الهدف والتحام العاملين وانغماسهم الذي ينتج عن الإحساس بقيمة الهدف وأهميته ، ومن ثم التحول من التركيز علي الهيكل التنظيمي وما يحتوي من صناديق وخطوط وفواصل ، إلي :
أ – تصميم العمليات التي تطلق العنان للمبدعين .
ب – تكامل الموارد والقدرات لخلق تشكيلة جديدة من الموارد والمعرفة .
حـ – استمرار الجهود المتعاونة المتفاعلة لخلق القيمة وزيادتها .
المنظمات المتوافقة :
أو المتكيفة ، أي التي تتفاعل وتتوافق مع المتغيرات الجارية ، ولكي تصل إدارة المنظمة إلي استراتيجية فعالة تعينها علي التكيف مع البيئة المحيطة بها ، يجب أن تقوم بما يلي :
1 – بناء الحدس الاجتماعي الذي يمكن فريق الإدارة من رؤية الفرص والمعوقات بطريقة صحيحة واقعية ، الآن ومستقبلاً .
2 – تحريك ” النزاع البناء ” – اختلاف وجهات النظر لتحسين التفكير الاستراتيجي .
3 – مراعاة عنصر الوقت للوصول إلي قرارات فعالة .
4 – تفتيت السلوك غير المرغوب فيه ، والذي لا يترتب عليه سوي صراعات غير منتجة ومضيعة للوقت .
وهناك عدة شروط للمنظمات لتكون متكيفة متوافقة مع المتغيرات من حولها :
1 – تتكون المنظمة من فرق ، وأعضاء متعاونين يتعاملون علي التوازي وليس
رأسيا – الهيراركية .
2 – تعدل المنظمة في البناء الهيكلي ، وتنشئ من المؤسسات التنظيمية وتغيرها حسب مقتضيات أهدافها وأنشطتها .
3 – تتعرض المنظمة للأنتروبيا بمرور الوقت ، إلا إذا زودت بطاقات جديدة – المنظمات المتوافقة تجدد دماءها من حين لآخر ( الحجامة ) .
4 – القدرة علي ملاحظة الظواهر والأحداث – نماذجها واتجاهاتها – ومن ثم توقع التغيرات التي تحدث في المستقبل .
لذلك فإن المنظمات المتوافقة ترتكن علي مبادئ أربعة هي :
1 – تخاطر المنظمة إذا اطمئنت إلي التوازن الساكن . انه مرحلة ما قبل الموت .
2 – القدرة علي التنظيم الذاتي ، والتركيب التلقائي ( تشكيلات جديدة من الأفراد والأساليب والموارد ، يكون مجموعها أكبر من مجرد الأجزاء ) .
3 – عدم الاستقرار النسبي أو المحدود ، يؤدي إلي التطوير . وذلك بدلا من الاستقرار الساكن أو الراكد . ان التربع علي القمة يتطلب القفز إلي قمة أخري ، وهكذا .
4 – لا تهتم المنظمات المتوافقة كثيرا بعلاقة السببية … فقد تؤدي جهود بسيطة إلي نتائج باهرة .